مملكه أسطوره

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*أسطوره*مملكه الحب*


    لامارتين عاشقا

    Jasmin
    Jasmin
    أميره مملكه اسطوره
    أميره مملكه اسطوره


    انثى
    عدد الرسائل : 91
    العمر : 42
    البلد : Egypt
    الوظيفه : doctor
    تاريخ التسجيل : 20/09/2007

    لامارتين عاشقا Empty لامارتين عاشقا

    مُساهمة من طرف Jasmin الجمعة نوفمبر 23, 2007 10:00 pm

    لامارتين عاشقا


    "ألفونس لامارتين" ـ 1790 ـ1870 من المبدعين القلائل الذين تميّزوا بتعدّد المواهب، فهو الكاتب والشاعر والخطيب والمناضل ضد الظلم، المنافح عن حريات الفكر والقول والعمل، وتقرير المصير.. كان للشرق نصيب وافر من تفكيره وإبداعه، مما دفع أحد المفكرين العرب للقول: "وجب على الشرق أن يقدّس ذكراه، وعلى الشرقيين، أن يحفروا اسمه على صفحات الأذهان والصدور" (1) وقد كان شغوفاً بالشرق، فتجول في البلدان الواقعة حول حوض البحر المتوسط، الذي كان يقول عنه: (البحيرة الإنسانية) ويعدّه موطن المدنيات والثقافات.

    برزت شخصية لإمارتين الشعرية المبكرة بين أترابه الفرنسيين، فأجمع النقاد على أنه "أشعر شعراء فرنسا" وقد قال عن نفسه: "كان إنشاد الشعر عندي بمنزلة النفس الذي يتردد في صدري، أنفثه كما يشدو الطير، وكما يسري النسيم، وكما تجري مياه الأنهار" وفضلاً عن مواهبه المتعددة، وإبداعه الشعري المتميز، فقد عرف حياة عاطفية انتهت بحب روحي عزّ نظيره، يتلخص في إنه كان يحب النساء بالجملة، وقد تمخض هذا الحب عن زواجه بامرأة لا يحبها، لأن حبه كان روحياً، ليس للمادة إليه من سبيل.

    شبت العاطفة في جوانح الشاب لامارتين وهو في الثامنة عشر من عمره، حينما التقى أول فتاة خفق لها قلبه، اسمها (هنريت بوميه) وكانت ساذجة، وقد رفض أهله الاقتران بها لوضاعة أصلها، وصرفوه عنها بمنحه مبلغاً من المال، وترحيله إلى إيطالية للنزهة، وما إن وضع أقدامه على بلاطها حتى نسي الفتاة الفرنسية، ورفرف قلبه إلى (انطونيلا) الفتاة الصغيرة الشقراء بائعة السجائر، فأحبها حباً بريئاً، غير أن بعض النقاد أكد أنه قد اتخذها عشيقة، لأن الصغيرة حين وجدته يزمع الرحيل تشبثت به، وتوسلت إليه كي يبقى معها، لكنه تركها تلاقي حتفها، وعاد إلى فرنسا ليتلقى بعد لأيٍ طرداً بريدياً صغيراً فيه ضفائر شعر انطونيلا الشقراء، وقد أرسلتها إليه قبل أن تودع الحياة، بسبب الفراغ الذي تكره حبه في قلبها، وقد جسد لامارتين ذلك في رواية (غرازيللا) وفي أثناء كتابة الرواية، تعلّق قلبه بامرأة جميلة متزوجة تدعى (نينادي بيركلير) بادلته الحب، وبعد سنة وضعت مولودها (ليون) الذي قال عنه لامارتين إنه ثمرة غرامه بها، وهو ابنه بلا شك.

    وتوالت العشيقات في حياته، فما إن ينصرف عن واحدة حتى ينجذب إلى أحضان أخرى، وظل يغرف من الحب حتى الثمالة، وقد انتبه ذات مرة إلى حاله، فجلس يفكر في امرأة من نوع آخر، أخذ يحلم بها ليهبها نفسه هبة صوفية بلا حدود، وليغدو بها أشهر العشاق الرومانسيين، وقد تحقق له ذلك بلقاء (الفيرا).

    وفي فترةٍ حرجة من حياته، أُصيب بالمرض، فذهب إلى مدينة (إلسن لبيان) للاستشفاء من مرض الكلى، والخلود إلى الراحة، عملاً بنصيحة الأطباء، ولم يكن يعلم أنه سيجد هناك الحب الحقيقي، حيث التقى المرأة التي سفح على مسامعها جميع عواطف الشاعر الرومانسي المبدع. ولعل من المثير أن تكون المرأة التي تعلّق بها مريضةً مثله، فأحبها حباً روحياً كبيراً، قلما عرف تاريخ الأدب الفرنسي مثيلاً له.

    كان لامارتين يتنزه على شاطئ بحيرة (بورجيه) فلمح امرأة تحاول الانتحار، وتشرف على الغرق في ماء البحيرة، فسارع بهمة الشباب الأصحاء لإنقاذها، وعندما تسنى له ذلك، عرف اسمها (جولي شارك) المصابة بمرض صدري، حينئذ عزم على تخليدها باسم (الفيرا).

    تعرّف لامارتين إليها حينما كانت "جوليا" تحاول وضع حدّ لحياتها، فهي زوجة العالم (شارل) أمين المعهد العلمي بباريس الذي يكبرها بثمانية وثلاثين عاماً، وقد هدها المرض، ووصل بها إلى مرحلة اليأس والقنوط، فقررت الانتحار، واستعدت له نفسياً، وفي لحظات الغرق، وجدت يداً تنتشلها من الموت، وما إن أبصرت وجه منقذها حتى تعلقت به، ثم بادلته الحب، فأقسم كل منها للآخر معاهداً على الوفاء والإِخلاص، وأن يكن حبهما طاهراً نقياً لا مكان فيه لنزوة أو رغبة جسدية، وأن يظل حباً سامياً يرتفع عن رغبة الجسد، ويرتقي إلى مصاف الروح الخالصة.

    خلد لامارتين هذا الحب في قصة (روفائيل) عام 1849 حيث تخيل صديقاً بهذا الاسم مات وترك مخطوطاً روى فيه كيفية تعرفه إلى (الفيرا) وإنقاذها من الغرق، ووقوعه في حبها، ويصف الصراع الرهيب الذي قام في قلبي العاشقين وجسديهما بين الرغبة في الوصال، والطهارة التي تغلبت على تلك الرغبة.

    كان لامارتين في السادسة والعشرين عندما التقى بجوليا وأحبها، وكانت هي في الثانية والثلاثين، وظل زوجها يجهل أمر هذه العلاقة العشقية، مع أن الألسن تناقلت أخبارها، وخلدتها قصائد لامارتين، وأشهرها (البحيرة) التي يقول فيها(2).


    أهكذا أبداً تمضي أمانينا




    نطوي الحياة وليل الموت يطوينا


    تجري بنا سفن الأعمار ماخرة




    بحر الوجود ولا نلقي مراسينا


    بحيرة الحب حياك الحيا فلكم




    كانت مياهك بالنجوى تحيينا


    قد كنت أرجو ختام العام يجمعنا




    واليوم للدهر ولا يرجى تلاقينا


    فجئت أجلس وحدي حيثما أخذت




    عني الحبيبة آي الحب تلقينا



    ويخاطب البحيرة: "ذات مساء. هل تذكري/ كنا نسير على صفحتك في صمت/ لم نسمع في الأفق البعيد/ فوق اليم وتحت السموات/ سوى صوت المجدافين يضربان بانتظام/ أمواجك الرخيمة / وفجأة رددت نبرات مجهولة من الأرض/ أصداء الشاطئ المسحور / فتنبه الموج / وباح صوت الحبيب إليّ بهذه الكلمات / أوقف طيرانك أيها الزمان/ وأنت أيتها الساعات السعيدة/ أوقفي جريانك / دعينا نتذوق ملاذ أجمل أيامنا السريعة/ لكن عبثاً أطلب بضع لحظات زائدة/ الزمان يهرب مني ويوّلي/ وأقول لهذه الليلة / أبطئي / ولسوف يبدد الفجر ظلمة الليل".

    وما إن افترقا عن ضفاف البحيرة حتى التقيا من جديد في باريس شتاء عام 1817 ثم افترقا وتواعدا على اللقاء في (اكلس) في الصيف التالي. لكن (جوليا) لم تستطع الوفاء بوعدها لأن المرض حال دون السفر، إذ ظلت مقيمة بباريس حتى رحيلها الأخير.

    أحس لاماريتن بألم بالغ عندما وجد حبه يتحطم، فعمل على استرداد إيمانه وهدوء نفسه وطمأنينها، ومن خلال الألم والرغبة استوحى أجمل القصائد التي ضمنها ديوان (التأملات) وهو أول ديوان غنائي كتبه شاعر رومانسي، يضم 24 قصيدة عدّها جمهور عام 1820 ثورةً في عالم الشعر، وتحمس لها، لأنه وجد فيها الموضوعات والأحاسيس الجديدة التي انتشرت بعد كتابات "غوته" و"بايرون" و"شاتوبريان" ولم تكن أشهر هذه التأملات سوى تنهدات روح، وشكوى قلب حساس جرح؛ تبوح بالذكريات والندم اليأس والأمل والزمان الذي ولّى، والقلق أمام القدر، والخوف من الموت والتطلع إلى الخلود.

    وقد ماتت جوليا واسم لامارتين على شفتيها، لفظته مع أنفاسها الأخيرة، وهي تقبّل صليباً صغيراً... أوصت بأن يرسل عقب وفاتها إلى الشاعر الذي أحبته. فكان موضوعاً لقصيدة جديدة من قصائده الخالدة.

    على أن لامارتين لم يطل استسلامه لحزنه وحداده على تلك الحبيبة الراحلة، لأنه أخذ يبحث عن التسلية والعزاء في أحضان غيرها من النساء، وكانت بينهن أميرة إيطالية تدعى "كونتسه دي لارش" اعتقد لامارتين أنها حاولت أن تدسّ له السم يوم علمت أنه مقبل على الزواج.

    إن الشاعر العاشق ذاب قلبه في حب جوليا ولم ينل وصالها. ولكنه أبدع فيها شعراً خلد فيه ذلك الحب العذري، كما خلد تلك المرأة نفسها... هذا الشاعر العاشق نفسه، تزوج امرأة لم يكن يحبها، ولم يحاول أن يحبها بعد أن أصبحت شريكة حياته.

    وكانت "اليز ماريان برش" الفتاة الإنكليزية الجديدة أكبر سناً من لامارتين، وتملك ثروة كبيرة، في الوقت الذي كانت فيه ثروته مشرفة على النفاد، لأنه كان ينفق بلا حساب، وقد عارضت أسرته رغبته في الزواج من تلك الفتاة الإنكليزية، لكنه ضرب برغبة الأسرة عرض الحائط، وتزوجها رغم كل شيء.

    قام لامارتين برحلة إلى الشرق، فمكث مدة من الزمن في لبنان، على مقربة من بيروت، حيث ماتت ابنته جوليا.

    وبين أشجار الأرز في شمال لبنان شجرة ضخمة تعرف اليوم باسم "أرزة لامارتين" لأن اسم ابنته محفور عليها، والحقيقة أن لامارتين قصد غابة الأرز لكنه لم يصل إليها بنفسه، لأن الثلوج المتراكمة منعته من ذلك، فعهد إلى أحد رجال الدين بأن يحفر الاسم نيابةً عنه على جذع الشجرة. ففعل الراهب ذلك إكراماً للضيف العظيم. وقد ترك الشاعر كتاباً عن رحلته إلى الشرق يفيض بالعواطف النبيلة والشعور الطيب. وقد عدّه النقاد أفضل الكتاب الغربيين الذين زاروا الشرق وكتبوا عنه، ورفعوا الصوت للدفاع عنه في نزاهة وإخلاص.

    أما ابنته التي ماتت في لبنان، فقد نقل جثمانها معه إلى فرنسا، حيث واراها التراب في مدافن أسرته بمدينة (ماكون) وبقي الرجل الذي أحب عشرات النساء مع زوجته التي لا يحبها.

    اشتغل لامارتين بالسياسة، لكن وصول نابليون الثالث إلى الحكم وضع حداً لحياة لامارتين السياسية، فابتعد عن الميدان تاركاً المجال لغيره كي يخوض فيه، وانصرف إلى الكتابة طلباً للرزق، بعد أن فقد كل شيء وأنفق كل ثروته، فغدا فقيراً معدماً. لذلك اضطر في النهاية أن يكتب وزوجته تساعده فتنسخ ما يكتب، محتفظاً بكرامته وعزة نفسه، ويقاوم المرض الذي كان يهاجمه في وقت واحد مع الفقر.

    ماتت زوجته، فلم يتمكن من السير خلف نعشها لأن قوته خانته، ثم وقع طريح الفراش فقامت إحدى قريباته بخدمته، حتى رحل العاشق الكبير، والشاعر الخالد سنة 1870، وهو على أبواب الثمانين، وكان آخر اسم تمتم به هو اسم: "الفيرا" فقد ناداها وهو يقبّل الصليب الذي كانت العشيقة المريضة قد أودعته أيضاً قبلتها الأخيرة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 2:21 pm